بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العلي المنان، مدبر الخلائق على وفق ما سبق في الكتاب ما شاء الله كان فلا ند ولاشريك له في ألوهيته تفرد وتوحد في الإيجاد والتدبير في أي زمان وأي مكان لا إله إلا الله فلارب سواه ولا معبود بالحق إلا هو فهو القادر المستعان. أحمده تعالى وأشكره على ما أولانا بالنعم والآلاء التي أجلها الهداية إلى الإسلام والإيمان وأرجو من فضله جل وعلا أن يديم لنا على هذه الملة إلى أن نلقاه غدا ونحن على أحسن الحال والشأن مع أهل البر والتقوى في جنات تجري من تحتها الأنهار، وذلك الفوز العظيم والفضل الجسيم. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنجينا من أهوال يوم القيامة شهادة تبرأنا بها من كل معبود سواه فلا ملجأ ولا منجأ سواه، فهو المسعد وهو المشقي وهو الخالق لكل شيء فلاخالق سواه ولا نبعد ولا نستيعن إلا إياه. وأشهد أن سيدنا ومولانا محمدا عبده ورسوله سيد الأولين والآخرين وآخر الأنبياء والمرسلين أرسل الله سبحانه وتعالى رحمة للعالمين، وأظهر الحق والباطل وبين شرائع الدين وطرق الخير والسعادة. فمنهم من اتبعه ومنهم من عانده حتى أن فتح الله تعالى له وللمسلمين فتحا بينا – وقل جاء الحق وزهق الباطل – وظهر الإسلام ظهورا بينا – وأبطل الكفر وكسر صناما وأوثانا.
اللهم فصل وسلم على نبيك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه الذين جاهدوا لهذا الدين الحنيف فنالوا بذلك فضلا ورضوانا، صلاة وسلاما دائمين متلازمين ما تليت آيات الله تعالى سرا وإعلانا وما ذكر الله تعالى ذاكر إلا وهو أجل كل شيء وما يكون ذلك إلا توفيقا وإحسانا.
(أما بعد) فيا عباد الله، اتقوا الله تعالى واعلموا أنه قد مضى عليكم شهر كريم شهر يضاعف فيه أجر الحسنات تكفر فيه الذنوب والسيئات، وهو شهر الله تعالى الذي مسمى بشهر رمضان، وشهر فيه أنزل الله تعالى الفرقان فهنيئا لمن قد عظم الله تعالى ذلك الشهر بالصوم والقيام وتلاوة القرآن وطوبى لهم ثم طوبى لهم إذ قد زكاه ربه عن وسخ الذنوب وأرجاس المآثم والعصيان، حنى أن نالوا من الأجر والثواب فأوعده الشارع من أعظم الخصلة والشأن. فيا خسارة من لم يؤد حقوق رمضان ولا قام ولا اعتنى بشأنه فأهمله ولا يتلو فيه القرآن ويا شقاوة من اتبع هواه ودواعي الشيطان فلم يصم من شهر رمضان فعليه الويل والذلة والخسران فهلك مع الهالكين.
عباد الله اعلموا أن قبول الأعمال أن تعقب بعدها صالح الأعمال، فيكون العامل بعد ذلك على أحسن الحال وأشرف الخصال، وكونوا على أنفسكم محاسبين وتفكروا فيما على أحوالكم وشؤنكم وأفعالكم هل تكونون على أحسن الحال وأشرف الخصال، أم تكونون على عكس من ذلك، فكونوا في ذلك على الاعتناء وذوي البال. واتقوا ربكم الذي يراقبكم في أي زمان ومكان، ويعلم سركم وجهركم ويكتب جميع ما ارتكبتم من الإثم والطغيان. فأطيعوا الله تعالى ولازموا تقواه ولا تكونوا من الذين قست قلوبهم وتكونون منهمكين في الإسم والفجور والفسق في السر والإعلان.
ثم اعلموا أيها المسلمون أنكم في الدنيا أضغاث أحلام، ولا تكونون فيها على البقاء والدوام، بل إنكم ترحلون إلى دار الأخرة وهي دار البقاء والمقام. فاتقوا الله عباد الله واحذروا الظلم وابتعدوا عن أسبابه واحذروا الشخ أي البخل والحرص في الدنيا وأسبابها فإنه سبب لشقاوة الشخص وهلاكه، فإن الشخ كما لا يخفى والحرص للدنيا علامتان لنسيان العقبى والأخرى، فكأنه يبقى في هذه الدنيا ولا يذكر الآخرة بل ولا يخافها فتنسى فيحرص لجمع الدنيا وخطامها، فيجري ذلك إلى سفك الدماء وضرب الرقاب حرصا على استنشار المال ونيل الدرجات في هذه الدنيا لذكر العجل ونسيان المآل، فلا تركنوا إلى الدنيا ولا تتخذوها وطنا، -بل اتخذوها كأنها طريقا- للأعمال الصالحة للعاقبة الحسنى، وبادروا بالتوبة والأعمال الصالحة تكونوا من المفلحين الفائزين.
الحديث عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشخ فإن الشخ أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محاربهم، وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: كن في الدنيا كأنك غريق أو عابر سبيل. وكان ابن عمر رضي الله عنه يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك.
إن أحسن المواعظ الشافية كلام من لا يخفى عليه خامية، فالله تعالى يتولى وهو أصدق القائلين، وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض، أعدت للمتقين، الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، والله يحب المحسنين.
0 comments:
Post a Comment